حاول أن تفهم

من أين سأبدأ وقد إنتهى الذي جئتُ من أجله ,و غرُبت شمسُهُ لحظة وصولي ,فعادتْ كل الطيور إلى أوكارها,وإلتحفتْ تلك الأرض بغماماتٍ سوداء حجبتْ نور القمر,ذالك النور الأخير الذي كنت أهتدي به لِيَدُلَّني على الطريق في كل لحضة تِهتُ فيها عن الوجود

إني لم أختر ظرف وجودي الزماني و المكاني و لم أكن المُقرر في إختيار مشاعري و عواطفي و لم أكن أعلمُ أني سأولدُ لأعيش ميتا.لقد كان الأمر خارج السيطرة:فأنا إنسان مقذوف به في هذا الكون لِيَلعب كَبَدِيلٍ في الوقت الإضافي,أنا سلطان لا يحكم بين الناس إلا و هو متربع على كرسي الإحتياط

رغم أن الطيور على أشكالها تقع ,كنتُ الطائر الذي شكل الإستثناء , ليس لأني أجيد الطيران بل لأني لم يسبق لي أن طِرتُ,ليس لأني لا أستطيع بل لأني طائر يَمْنَعُنِي تواضعي من التحليق فوق رؤوس العِباد

لا معنى للحياة إذا كنا نعيشُ في إنتظار أن نموت ,إنها فقط حياة في قاعة الإنتظار,بل يكون لها معنى لما نبحث عن الموت فنجد مصدر العيش

هكذا صارت الطريق تضيق شيئا فشيئا كلما إتجهتُ نحو الصراط المستقيم,هكذا كان لزاما أن أَركبَ سيارة الموتى حتى أتجنب الإكتضاض و حتى يفسحوا لي الطريق ثم يَتْبَعوا موكبي بكل إحترام .و هكذا فضلتُ أن أعيش ضعيفا حتى لا يُرْعَبون من قوتي .و فضلتُ أن أحتقر نفسي بينهم حتى لا يظهرون حقيرين أمامي

نعم إنها ملامح ذالك الغريب الذي وُلد معنا و عاش بيننا و درس معنا.نعم إنها كلماتُه و تعابيره الغريبة مثله .نعم إنه ذالك الأناني الذي بقوله دوما "أنا" يَشعرُ بأنه فعلا "هو" .نعم إنه صاحب "خالف تعرف" و صاحب "نورا " التي ملكتهُ دون أن تملك قلبَه و صاحبُنا الذي ملَكْنا قلبه دون أن نملكه و صاحب حاجة غيره

إنها من عزائم الأمور أن تُفكروا هكذا,و أن يكون فهمكم هكذا,لأنكم لَمَّا يجُنُّ اللَّيل لا تسألوه بل تناموه و لما تُغرد الطيور في أقفاصها لا تَفزعون بل تَفرحون و لما تَقرؤون لا تُنصتون للكلمات فتُخبركم بمعانيها بل تَقمعون الكلمات و تَقفِزون على الأسطر فيَسُوءُ الفهم و تَغِيب غاياتُ الكلام و يبقى الكلامُ مجرد كلامٍ

إننا لم نختر وجودَنا بمحض إرادتنا لكننا قادرين على تطويع وجودنا حيث نريد و كيفما نريد, ليس بقوةِ إرادةِ الذاتِ بل بقسوةٍ في إدارة الذات,ليس بطلب العلم بل بعمل المطلوب,ليس كراغب في تغيير النفس بل كمُغيرٍ لرغبات النفس

و إعلم أن للعالَم معالم قد لا يعلمها العالِم لكن يدريها المتعلم,وأنه ليس الضعيف من يدعي الضعف و لا الجاهل من يدعي الجهل.ثم بعدَها إحفظ لنفسك خمساً :ضبطكَ لنفسك, تِقتكَ بنفسك ,إعتمادك على نفسك,قهرك لنفسك ,و أخيرا إذا قمتَ بهذه الأربع لا يلزمك إلا أن تفتخر بنفسك و هي الخامسة

وبعد ذالك - و إن إستغرق الأمر سنوات-عُد و قُم بقراءة النص من جديد و حاول أن تفهم, لا أقصد فهمَ كلِّ النصِّ , بل يكفي النصف