فاتح ماي
مدينة السعد أم ابارتايد متعدد الألوان
الموظفين و العمال في بحبوحة من أمرهم فأجروهم مرتفعة و مناسبة و كلهم يتمتعون بالضمان الاجتماعي و التامين الصحي و لكل واحد فيهم يريد تكوين أسرة شققا بأسعار مناسبة و قروض بدون فائدة و الحكومة تدعم المواد الأساسية للعيش و من المضحك أن تجد أحدا يتحدث عن رغيف الخبز فلكثرته نعمل ريجيم و لا نتناوله، الأسعار منخفضة جدا فما بالنا نحن و سعر برميل النفط؟ النفط ، أمريكا من تضرر بارتفاع أسعاره، أما نحن فنعيش في هناء و صفاء، الموظف لديه الحق في أن يعفى من ضرائب الأجور و المشغلين يخافون الله ولذلك لا يشتغل العامل إلا الساعات المخصصة له و إن زاد ربع ساعة يعوض عليها ، و التعويضات العائلية اهوووووه من يريد أن ينجب فلينجب فالمستشفى للعامل بالمجان و تعويض الطفل الواحد يعيشه ويزيد .
عفوا اعذروني هناك خطا، كنت اقرأ قصة مدينة السعد سامحوني
مدينة السعد هي قصة حزت عليها في المسرح و أنا طفلة و قرأتها و كانت تروي حكاية صياد وجد مفتاح مدينة السعد و لما دخلها قيل له كل ما تريده تأخذه بالبركة بشرط أن تعمل و لا تتهاون ، بمعنى لو أحببت أن يكون لك بيت قل لمالكه كلمة البركة و يعطيك إياه و لو أردت رغيف الخبز ، نعم هي نفس الكلمة البركة.
لو كنت اعلم أني حينما اكبر لن أرى لمدينة السعد وجودا لرفضت تسلم هاته القصة و أنا طفلة على المسرح.
لم اعد اذكر هاته القصة لأنني لم اعد أرى ملامح لمدينة السعد في أي شيء لما كبرت و تعلمت و درست و صرت مثلي مثل غيري أجابه سوق العمل.
اااه نسيت ، اعتذر ، أنا أتذكر قصة مدينة السعد فقط، لما اسمع نواب البرلمان يتحدثون خلال جلساتهم و هم يعدون الموظف و العامل بضمان اجتماعي و يقرون التامين على الصحة لكل الناس و يعدون برفع الأجور و بتدعيم المواد الأساسية التي تقسم ظهر المواطن البسيط.
حينما تنتهي حلقة مسلسل البرلمان يفتح كل منا عينيه و ينظر إلى الواقع.
الأسعار ليست كما مدينة السعد ، الأسعار ارتفعت ثلاث مرات و أكثر بشهر واحد، و سعر لتر الزيت قارب اورو و نصف الاورو ، و الجواب على ما يحصل، هو أن سعر البترول ارتفع ، آه فعلا نسي المواطن أن الزيت يصنع من بترول، و دقيق الخبز من بقايا البنزين.
و لنأت إلى هدفنا و هو اليوم العالمي للشغل أو قلة الشغل أو استعباد الشغل أو عدم الشغل، قليل جدا من الناس من يتوجه لعمله اليوم و هو يرى فيه مصدرا لرزقه و يفرح و هو ذاهب إليه و يهلل و يغني و يغرد، لماذا؟ لا لشيء إلا لان العمل أصبح مكان استعباد، ساعات العمل محددة في ثمان ساعات هذا على الورق و عند مفتشية الشغل ، و في الواقع تتجاوز العشرة ، اثنان عشر و قد تصل إلى أربع و عشرون لأنه لسوء حظ المشغلين، ليس في اليوم غيرها.
لا قيمة للإنسان ما دام يمكن أن نمص دمه و يصبر من اجل أهله أو عياله، و إن تفوه بكلمة فغيره الكثير ممن يبحثون عن عمل و البطالة تزيد و لا تنقص، و لكن قانون الشغل يقول إن هناك تعويضا على الساعات الإضافية، هذا أيضا على الورق، فمعظم الشركات و المعامل و المدارس و غيرها، العمل لديهم لا ينتهي و الدوام لا ينتهي إلا إذا انتهت روح العامل- بل انه من المفارقات انه اليوم، اعرف أصدقاء كثر بشركات عديدة يعملون يعني حتى حق العطلة بهذا اليوم ليس من حقهم- و ماذا عن تعويض هذا العامل؟ أين هو؟ أي نعم عوضه على الله، لا درهم واحد يزيد فوق أجرته المعتادة، و الجواب هناك أزمة شغل و معطلين كثر و من لم يعجبه هناك أربع حيطان في كل بيت على رأي المغاربة اختر أجمل حائط يعجبك و اخبط راسك فيه أو اشرب من البحر على رأي المصريين.
و لكن لما هذا التشاؤم فالنقابات العمالية و الاتحاد الديمقراطي للشغل قام بمظاهرات و النتيجة جيدة فكل مواطن له الحق في الضمان الاجتماعي، و له الحق في التغطية الصحية، فعلا لنا الحق في الضمان الاجتماعي و لكن أي حق، حق اقتطاع رسومه من رواتبنا شهرا بشهر دون أن ينسوا شهرا واحدا و ما فائدته؟ شخصيا ذهبت لمستشفى الضمان الاجتماعي لما مرضت و في السابق و قبل أن يكون التامين الصحي ضروريا كنت اجري فحوصات و تحاليل بنصف الثمن لأني أتمتع بالضمان و اليوم لما صار إجباريا و هتفوا له و عمموه، كل التحاليل و الأشعة كانت على حسابي الخاص و لم يخصم لي فلسا واحدا و إذا سالت يقال لك، إن مكتب الضمان الاجتماعي فيه اختلاسات و لم يعد يفي بالطلب، أو كما أجابتني ممرضة هناك، الضمان موجود بفرنسا و نحن بالمغرب و هذه السيدة، تعمل معهم و أهل مكة أدرى بشعابها طبعا!!
بل لقد رأيت رجلا عجوزا يطلب منهم مجرد إمضاء ورقة فيطلبون منه و هو في حالة يرثى لها أن يدفع و يذهب ليأتي بشهادة الاحتياج و بعدها يدفع طلب و بعدها ينتظر أن يعيدوا إليه نقوده، فقلت في نفسي ، ان لم تصله هو تتحول للورثة بعده.
التغطية الصحية الإجبارية فقط للأمراض المزمنة الخطيرة كالزهايمر ، الشلل الرعاش المزمن وغيرها من الأمراض التي كما قال احد الفكاهيين المغاربة لو أصابتني فلن اطلب تغطية صحية بل سأطلب أن يغطوني و يتركوني أموت بسلام.
التغطية الصحية للعامل و الأجير و الموظف لا تغطي إلا نفسها و لكن طبعا لا يمكن أن ينسوا أن يقتطعوا قسط الضمان من الراتب الشهري و طبعا هناك الضريبة العامة للدخل، و أي دخل يتحدثون عنه ، هناك عمال و موظفين لا يمنح لهم حتى الأجر الأدنى العام والذي ببلدنا ما يزال محددا فيما يقارب 2000 درهم!! يعني من لديه أبناء و عائلة يعيلها عليه أن يبحث له عن وسائل أخرى ليكمل الشهر بها، إما يرتشي لو كان موظفا حكوميا و إما يسرق و ينهب و كل الطرق تؤدي إلى روما، و الجميل في الأمر، أنهم يقولون إنهم يريدون ردع الرشوة و يزيدون عدد رجال الأمن و كأن هذا هو الحل لما وصل إليه المواطن.
مفتش الشغل أنا شخصيا لا اعرف له شكلا و إن سمعت انه أتى الى عمل ما مررت به أو مر به احد مما حكا لي ، فانه عوض أن يأتي ليسال العمال يذهب ليسال المدير أو صاحب الشركة عن العمال و طبعا هو يسأله عن حاله هو لا حال العمال.
القليل من الإصلاحات التي يمكن أن نلمسها فهي تخص بالخصوص القطاع الحكومي أما القطاع الخاص فله الله، لا نقابات و لا من يدافع عن حقوقهم و لو فكر احدهم في عمل نقابي يكون أول من يطرد، ساعات العمل كثيرة و التعويضات في خبر كان، و الناس طبعا تقسم ظهورهم زيادة الأسعار فلا احد يمكن أن يرفع رأسه و يشمخ به و يطالب بحقه فبآخر اليوم يكون منهكا و يذهب يجر رجليه إلى بيته و ينام و يعود صباحا لعمله و هو نصف نائم لا يستفيق إلا حينما يلاحظ أن الباس سيفوته أو حينما يصعقه سائق سيارة الأجرة بثمن خيالي و يقول له هو العداد و ليس أنا.
مدونة الشغل هي مجرد مدونة مليئة بالقوانين ، كلام فقط و إضرابات نقابية و هتافات، أصبحت مجرد تقليد سنوي ، خروج نقابي كل فاتح ماي، و الدليل ما حدث مؤخرا بمعمل روزامور و ما حدث بمشغل بالتشارك وما يحدث كل يوم من حوادث شغل و من إنهاك لقوى المواطن ، معامل لا تتوفر على شروط السلامة و مع ذلك يرخص لها.
العامل و الموظف أصبح مجرد آلة إنتاج يأتي يوم و يجب رميها في سلة المهملات كأية آلة منزلية نستعملها و نصلحها مرات و مرات و بعدها نكتشف أنها لن تعمل مهما فعلنا.
لم يعد المواطن المغربي خاصة و العربي عامة بحاجة لقوانين
وضعية تبقى حبرا على ورق بل إلى تفعيل هاته الحلول.
حينما نهتم بالعامل البشري كما تهتم به الدول القوية و لا نعتبره مجرد وسيلة يمكننا حينها أن نضاهي هاته الدول و يمكننا أن نكون أيضا دولا قوية.
العامل النفسي للإنسان المنتج يجعله أكثر إنتاجية و هذا ما توصلت إليه تلك الدول
و يبدو انه علينا أن ننتظر قرونا لكي نفهم ذلك نحن أيضا.
و هنيئا لنا باليوم العالمي للابارتايد متعدد الألوان
بشرى شاكر